تعريف الروح

: لمن يريد أن يعرف عن روحه :
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
ـ تعريف الروح : وردت لفظة " الروح " في القرآن الكريم خمسة و عشرين مرة ، في عشرين سورة ، و لكن استعمالها كان متنوعا ،أما في السنة النبوية فوردت بكثرة يصعب جمعها فم يُقصد بهذه اللفظة ؟

أن الروح من أمر الله ومن الغيبيات ، لذلك لا نستطيع إدراك معناها إلا من طرف الوحي ، و هذا مما أدى بالعلماء إلى إختلافهم طرائق شتى

فنجد الغزالي يعرفها بقوله : " الروح وهو أيضا يطلق فيما يتعلق بجنس غرضنا لمعنيين :
أحدهما : جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني ، فينشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن ، وجريانه في البدن ، وفيضان أنوار الحياة والحس والبصر والسمع والشم منها على أعضائها ، يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت ، فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به ، والحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان ، والروح مثالها السراج ، وسريان الروح وحركته في الباطن ، مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه . والأطباء إذا أطلقوا لفظ الروح ، أرادوا به هذا المعنى : وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب . وليس شرحه من غرضنا ، إذ المتعلق به غرض الأطباء الذين يعالجون الأبدان ، فأما غرض أطباء الدين المعالجين للقلب حتى ينساق إلى جوار رب العالمين ، فليس يتعلق بشرح هذه الروح أصلا .
المعنى الثاني : هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان ، وهو الذي شرحناه في أحد معاني القلب ، وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : (( و يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) الإسراء 85 ، وهو أمر عجيب رباني تعجز أكثر العقول و الأفهام عن درك حقيقته " . ( إحياء علوم الدين ، ج3 ، ص 3 ) .

أما ابن تيمية فقد قال: " والروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه ، و هي النفس التي تفارقه بالموت ، قال النبي صلى الله عليه و سلم لما نام عن الصلاة :"إن الله قبض أرواحنا حيث شاء،و ردها حيث شاء ".و قال له بلال : يا رسول الله أخذ بنفسي الذي اخذ بنفسك ، (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) )) الزمر . قال ابن عباس وأكثر المفسرين : يقبضها قبضتين : قبض الموت ، و قبض النوم ، ثم في النوم يقبض التي تموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى حتى يأتي أجلها وقت الموت ، و قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا نام : " باسمك ربي وضعت جنبي و بك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فاغفر لها و ارحمها ، و إن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ". و قد ثبت في الصحيح : أن الشهداء جعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش . و ثبت ـ أيضا ـ بأسانيد صحيحة : أن الإنسان إذا قبضت روحه فتقول الملائكة : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي راضية مرضيا عنك ، و يقال اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ساخطة مسخوطا عليك . و في الحديث الآخر : " نسمة المؤمن طائر تَعّلَقَ من ثمر الجنة ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش " . فسماها نسمة " . ( مجموعة الفتاوى ، 1997 ، ص ص 154-155 ) .

و أما ابن القيم فسرد أقوال العلماء ثم رجح هذا المفهوم بقوله : " و السادس أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس ، وهو جنس نوراني علوي خفيف حي متحرك ، ينفذ في جوهر الأعضاء ، و يسري فيها سريان الماء في الورد ، و سريان الدهن في الزيتون ، و النار في الفحم . فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء ، و أفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية ، و إذا فسدت هذه الأعضاء بسب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها ، و خرجت عن قبول تلك الآثار ، فارق الروح البدن ، و انفصل إلى عالم الأرواح .
وهذا القول هو الصواب في المسألة ، و هو الذي لا يصح غيره ، و كل الأقوال سواه باطلة ، و عليه دل الكتاب و السنة و إجماع الصحابة ، و أدلة العقل و الفطرة ، و نحن نسوق الأدلة عليه على نسق واحد . و ساق الأدلة . ( الروح ، 1999 ، ص ص 254-256 ) .

مما سبق من أقوال أهل العلم ، و من الآيات الكريمات المتعلقة بهذه اللفظة يتضح لنا جليا أن لفظة الروح جاءت :
ـ للدلالة على جبريل عليه السلام .
ـ أو للدلالة على الوحي و المقصود بالوحي هنا القرآن الكريم .
ـ أو للدلالة على الجنس النوراني العلوي الخفيف المتحرك الحي الساري في الأعضاء .

من الآيات الكريمات ومن الأحاديث النبوية و من أقوال العلماء السابقة يظهر لنا جليا أن الروح تختلف عن النفس ، و هذا ما جعل
عبد الحميد مرسي يقول : " و في كل هذه المعاني التي أشار إليها القرآن الكريم لا نلاحظ ورود هذه الكلمة للدلالة على البدن وحده ، أو على البدن مع الروح ـ بمعنى الإنسان و فعاليته و نشاطه ـ كما هو الأمر بالنسبة للنفس ، مما يدل على تميز الروح عن النفس في لغة القرآن " . ( النفس البشرية ، 1982 ، ص 44 )
و عليه فقد رأى ابن تيمية عدم اختصاص الروح بشيء من الجسد ، بل هي سارية في الجسد كما تسري الحياة التي هي عرض في جميع الجسد ، فإن الحياة مشروطة بالروح ، فإذا كانت الروح في الجسد كان فيه حياة ، و إذا فارقته الروح فارقته الحياة . ( المرجع السابق ، 1997 ، ج 9 ، ص 162 ) .

وبهذا نقول و عليه نعول بأن الروح شيء غير النفس للآيات الكثيرة ، و الآثار النبوية الشريفة التي مرت بنا ، و أقوال أهل العلم ، و لما كانت من الأمور الغيبية فلا نثبت لها إلا ما أثبته الله تبارك و تعالى في كتابه ، أو ما أثبته نبيه محمد صلى الله عليه و سلم في سنته .

العلاقة بين الجسد و الروح : بعدما عرفنا أن الروح تختلف عن النفس ، و أنها جنس نوراني علوي مخالف لهذا الجسم المحسوس فم العلاقة التي تربطهما ؟
لقد أجابنا عن هذا السؤال أنور الجندي بقوله : " لا يقرر الإسلام النظرية القائلة بأن هناك صراعا بين الجسم و الروح ، و قد أعلن أن الروح و الجسم متكاملان ، و بذلك أسقط مفهوم الرهبانية القائمة على الرياضة العنيفة ، و تدمير الجسد من أجل تحقيق الصفاء الروحي ، أعلن الإسلام تكامل الروح و الجسد معا ، و نظر إلى الإنسان نظرة متكاملة ، و كرمهما معا ، و دعا إلى الاهتمام بالجسد من حيث الطهارة و النظافة ، و جمع إلى ذلك طهارة القلب و الزينة . و قد نظر الإسلام إلى الإنسان من خلال طبيعته الأصيلة الجامعة بين الروح و الجسم و العقل و القلب .
و بالجملة فإنه لا سبيل إلى تفريغ كيان الإنسان من مضمونه الاجتماعي و النفسي و الروحي ، أو النظر إليه على أنه ذلك الهيكل البشري ( المادي ) ( أو الحيواني بتعبير فلاسفة علم النفس ) خاليا من الروح و الوجدان " . ( مفاهيم العلوم الاجتماعية و النفس و الأخلاق في ضوء الإسلام ، 1987 ، ص ص 19-20 ) .

موضوعع جدآ مفييد